" نتقابل بالليل نشرب قهوة و مانتكلمش في الموضوع خالص ؟ "
أعترف أن رسالتك قد فاجئتني يا ريم ..فاجئتني بقدر ما سرتني .. بدأت إنطباعات وجهي بالدهشة ثم الإبتسام ثم توقفت عند الحيرة .. في ظروف أخري كنت لأتهلل فرحا لوصل أتي بعد إنقطاع دام لأكثر من عام و بضعة أشهر .. لكن بعد يوم ثقيل في عملي إنتهي بإحتمالات فقداني لوظيفتي بدا ذهني أكثر إنشغالا من أن يصفو لحديث طويل معك .. سأبدو سخيفا .. سخيفا و سمجا بأكثر مما تسمح به لقاءات جس النبض و إعادة المياة لمجاريها .. أفكر في الصيغة الأنسب للإعتذار و تأجيل الميعاد ..
لا أعرف كيف إنتهي بي الأمر يومها و أنا أقف أمام ضرفتي دولابي المفتوحين علي إتساعهما أنتقي قميصا يصلح للسهرة ..داكنا بحيث لا يظهر الكرش الذي زاد بشكل ملحوظ في العام الأخير .. لا أود أن تكون ملاحظتك الأولي عني " إنت تخنت كده أزاي " ..سيبدو ذلك محرجا بدرجة قد لا أستسيغها .. أشرب القهوة متعجلا ( علي عكس نصيحة درويش ) و أخذ دشا و بعض الكاتافاست لأتغلب علي صداع غريب أغشاني .. أمر في الطريق علي محل للورد .. اسأل عن نوع الورد المفضل عندك .. زاد سعره لكن لا بأس .. تلك من عيوب الإجتماعيات و محاولات إختراع البهجة علي السواء ..الإنطوائية و السعادة الداخلية بهما قدر من التوفير لا أستطيع إنكاره .. إحم .. لأتجاوز هذة النقطة التي قد تغضبك .. أضع في الكاسيت شريط قديم لمنير .. نعم لا زلت أستخدم الكاسيت و أعلم أن هذا لن يدهشك .. تعرفين أني أحد رواد مدرسة الكلاسيكيات .. أضغط الأزرار حتي أتوقف عند أغنية كنا نحبها و أتركه ينطلق في الغناء ..
**********
ليلة قمر ياقمر صيفى.. انت النهارده خلاص ضيفى
انت تنور على كيفك واسهر انا بقه على كيفى
ليلة قمر يا مونسنى.. من الخوف عيونك تحرسنى
يحسسك قلبى بخوفه وبالامان بتحسسنى
اسهر اسهر على كيفى
**********
كانت بداية معرفتي بك يا ريم منذ تسعة أعوام .. جدال سياسي في أروقة الجامعة أقف فيه بمفردي متخيلا نفسي مندوبا للعناية الإلهية .. تدافع فتاة لا أعرفها عن رأيي فألتفت إليها و تستلفتني ملاحة وجهها و شعرها الأسود المنسدل علي كتفها .. إلتمست في رقة صوتها المتخفية في قوة عباراتها ما إرتأيته وقتها تصلبا في مواجهة الحياة .. تبين لي مع الوقت أنها تداري به هشاشة متأصلة بداخلها .. أهو القلب يتقلب أم هي الهالة تذهب ؟
أتعرفين أني قد فقدت إيماني بكل ما كنت أدافع عنه متحمسا في تلك الأيام ؟ لا أعرف هل هو إنهاك الروح أم أن سنة الحياة هي التبدل كلما مضي بنا الزمن .. نتجاذب أطراف الحديث المتحرج .. أقر بأني تحرجت وقتها في حضرة ذلك الوجه الآسر و العيون التي تخترق وتستقريء أرواح ألاخرين..
عرفت أنك ايضا تحبين عم نجم فأدعوك لأمسية شعرية يلقيها هو شخصيا في وسط البلد .. بدا لقاؤنا الأول ساذجا و مخيبا للآمال في النادي النيلي الصغير الذي صار فيما بعد مقامنا المفضل .. أتأخر كعادتي و أمهد للإعتذار فيقف لساني في مواجهة شعرك المصفف بعناية و فستانك الأبيض المزين بوردات صغيرة .. قلت لكي وقتها أنك تبدين كجميلات سينما الخمسينات .. تقرئين لي فصلا من كتاب ( البستان ) للمخزنجي بعنوان ( شيء جميل جدا يحدث لك ) .. أنسجم مع صوتك و أشرد بعيدا ثم أضطرب.. تسأليني في توجس :
- مالك مش علي بعضك كده ليه
أجيبك في تلقائية ندمت عليها فيما بعد
- ريحة الكفتة هنا مش ممكن ..انا بحب جدا المشويات.. ممكن نبقي نطلب المرة الجاية كفتة
تظل هذة الجملة مثار تندر بعدها لسنوات نحكيها لأصدقاءنا المشتركين كمثال لتعثر البدايات و نقرنها بمأثورة هنيدي ( الأوبرا إحساس يا خلف .. بس انا جعان ) ..
تتكرر لقاءاتنا و تصير شبه يومية .. لا أعرف هل كنتي جميلة إلي هذا الحد أم أني أنا من كنت وحيدا لهذا الحد فأبحث عمن يعاني جرحا مشابها. .أم هو الإشتهاء لأنوثة تلتقطين خيوط إبهارها ببراعة.. مع الوقت تحولت مشاعري من الإعجاب إلي الألفة إلي المحبة ..قلب بور هاج عليه فيضان أمل علي حد تعبير الأبنودي .. أوصلك للعمل ثم أعود لألقاكي بعده .. نستكشف معا شوارع وسط البلد و الزمالك .. أماكن نستشكفها للمرة الأولي ثم تحفظ أرجلنا خطواتنا فيها من كثرة ترددنا عليها و تسكعنا صباحا و ليلا .. لا أود أن أصدمك لكن معظم هذة الأماكن لم يعد لها وجود الآن .. أغلقت علي ما فيها من كراكيب و ذكريات راكمناها بداخلها .. تظاهرات وقفنا علي رأسها في ميادين وسط المدينة و سلالم نقاباتها في حماس يبدو لي الان أقرب للسذاجة .. كنا سويا نشكل ذائقتنا السينمائية والأدبية المشتركة بل و ربما طباعا و لزمات ستلتصق بنا بطول أيام العمر كتذكار غير مقصود .. ربما لعب منير دورا محوريا في تلك الفترة .. أضع ألبوماته القديمة كلها في السيارة و ننطلق علي طرق السفر نستكشف ما قد غناه في السبعينيات و الثمانينات لأجيال سبقتنا و إن لمست وترا ما بداخلنا فشاركناه فيها .. أتذكر لمعة عينيكي وأنتي تختلسين تجاهي نظرة فرحة بجانب عينيكي و تكررين مع منير ..
********
شعرك خيوط قمر المسا.. طب ليه في ليلك بتنسى
بين المسا وقمر المسا.. طب ليه في ليلك بتنسى
احلم على شالك انام كأني فرد من الحمام
انتي انا وبكره ليا وليكي
********
أضع بوكيه الورد في الكنبة الخلفية و أقف في إنتظارك .. تفتحين باب السيارة و تتخذين مقعدك كما كنت تفعلين .. يا الله .. هذا المقعد ظل شاغرا حتي و إن إحتله آخرون يا ريم .. يستلفت نظري لون شعرك الذي تغير للأحمر الداكن و نظرة عينيك التي إكتسبت طابعا قاسيا لم أستطع الإرتياح له .. أتجنب النظر مباشرة لك و أشعر توترا ما لا أفهم سببه .. تريحين رأسك و تتأمليني ثم تبتسمين ..
- لسه زي ما انتا .. بس بقيت بتيجي في مواعيدك
أبتسم و أجيبك : - كده عدينا أول إختبار في الليلة
تبادريني : انتا ظالمني والله .. انا مش ماسكالك عالواحدة يعني
تبتسمين لأغنية منير و تسألين : و انتا عامل إيه كده .. سنة من غيري الدنيا عملت فيك إيه
كمن كان ينتظر ذلك السؤال جاءت فضفضتي كطوفان يا عزيزتي .. ربما أنا هنا الآن لأني بحاجة لمن أحكي له بعذوبة دون توقع للإندهاش و بلا مجهود أعانيه في التواصل .. أحن إلي رأسي علي كتفك و إلي الكلام الذي يسيل عفويا كصمام أمان يضمن بقاء الحياة لكلينا .. أنطلق و أتكلم عن أزمة عملي و عن مشاكل المنزل و عن الخلافات في الحزب .. هل يمكنني الإختصار و إختزال هذا كله في أن الحياة كلها صارت طقسا صعب الممارسة يا ريم ؟ .. تصغين إلي ظاهريا لكني أقرأ من عينيكي أنك في مكان آخر .. خبرتك لسنوات و أدرك مغزي تلك النظرة الشاردة .. يتأكد ظني حين تقاطعينني فجأة
- انا اتخانقت في البيت عشان سبت الشغل .. هما مش متفهمين ان ليا طموحي الأكبر من شغلي اللي انا فيه .. و لا مستوعبين إني فسخت خطوبتين عشان مش لاقية نفسي فيهم ..
اسألك في إستغراب
- هو انتي اتخطبتي تاني ؟
- اه واحد اعرفه عن طريق أيمن .. تعريف مثالي للي بيسموه ريباوند .. كنت محتاجة حد جدا في الوقت ده و مينفعش بعد ما فسخت تبقي علاقتي بشخص ليها شكل مش رسمي..
- يعني بعد إنفصالك عن أيمن اتخطبتي لصاحبه .. ممم..غريبة شوية بس مبستغربش حاجة عليكي
- مش صاحبه صاحبه بقولك معرفة ..كانوا أصدقاء من بعيد لبعيد
أكتم في نفسي مزحة ( ولا سباك ولا بيفهم في السباكة ) و أتركك تسترسلين .. تحدثيني أنك ترين نفسك أميرة خلقت لمكان آخر و ربما لزمان آخر .. يتورط الكثيرون في الإنجذاب لها و تتورط معهم في حكايات تجتازها ثم تعود منها بالكثير من الندم و إستنزاف الأمل .. تقولين أن التكرار قد أخفت الحنين .. " الحنين نوع من الإفلاس صدقني " .. تحكين أنك بنيتي الأسوار من حولك بعدما فقدت كلمات المغازلة و نداءات المحبة بريقها من فرط رتابتها و تكرارها ..
أجيب بكليشيهات أدرك أنها سخيفة .. تبدو كلمات ملفتة في مجازاتها و إن كانت في طياتها أعرف أنها لا تحمل أي معني أو فائدة تذكر .. سوء التوقيت قد فرض إحتياجا متبادلا لإثنين غارقين في حزنهم الخاص و فرض بالتالي خذلانا متبادلا ..
- انتا متضايق من حاجة ؟ أول مرة أبقي مستغرباك .. إكمننا يعني بقالنا ييجي سنة ونص مبنتكلمش ؟
- لا خالص .. إنتي عارفانا .. نقعد سنة منتكلمش و نرجع نتكلم كأننا كنا لسه سهرانين إمبارح و بنكمل كلامنا ..
أعرف إني أكذب .. أغالب حرجي بشريط أخرجه من جانبي و أبدله في الكاسيت ..
********
بعد الطوفان الجو شبورة
.. ننده لبعض بهمسة مذعورة
.. بشويش نمد الايدين
ياللى انت جانبى انت فين
.. كان فية طوفان وخلاص ما بقاش طوفان ..
ونسنى إلمسني انا حيران
********
في ذروة علاقتنا تخبريني بأن عملك يستلزم منك السفر لبضعة أشهر لألمانيا .. يصدمني الخبر لدقائق ثم أبتسم مشجعا و مباركا تلك الخطوة .. إجابة حاولت قدر الإمكان جعلها دبلوماسية وقتها .. فيما بعد أيقنت أني لم أكن ملما بشكل جيد بحدود الممكن .. أن في مواربة الباب دعوة للطرق بل و ربما للإقتحام .. مباراة شطرنج حرصتي فيها أن تظهري أنك قد تركتي قطعك مكشوفة و حرصت أنا ألا أبدو أني قد لاحظت .. تسافرين بالفعل و أحاول التأقلم .. تداومين علي مراسلتي أسبوعا ثم تقل الرسائل تدريجيا حتي تختفي و يبدأ الإنقطاع ..
أكملت علاقتنا دائرة كاملة بدأت بالإحتياج ثم التعود ثم إختلاف المسارات حتي إنتهت .. قد أتقبل الغياب لكن يؤرقني النهايات الغير متكملة .. لم أخترتي الصمت كنهاية تقضم الحكاية من منتصفها يا ريم .. كان علي أن أعبر يومي من الصباح لضفته الأخري في المساء كل يوم و انا مسكون بأيامنا معا و لم أشبع منك تمام الشبع .. تبدو ذكرياتنا معا هاجسا يتعب روحي بقدرما كانت في حينها إكسيرا للحياة و مسكن فعال لوجع الدنيا ..
كنتي السردية الأهم في حياتي و بقيتي حاضرة حتي في غيابك بشكل أو بأخر .. يشغل أخرون مكانك فتتجسدين أنتي بيننا تضحكين أني لم أجد بعد من تقاربك في التفاهم الروحي .. أو لعله في الجنون ..كلهن كن عاقلات يا ريم بصورة لا تتخيليها .. هو الجنون ما كان يجمعنا معا و يضفي سحرا علي لحظاتنا المشتركة ..أعرف أنك عدتي لمصر لكن تواصلين إختفاءك .. تختفين حتي أفاجيء بنادية تهاتفني في ظهيرة ما بعدها بعام ..
*******
كان نفسي أنورلك قمري وأعملك بإيديا الشاي
أحكيلك في الليل حكاياتي و أغني لعنيكي بناي
******
يجبرني زحام الزمالك علي ترك السيارة بعيدا و التمشية للكافتيريا ..الرطوبة عالية علي غير عادة أكتوبر .. يتصبب العرق مني بينما أراجع في خيالي أياما سجلتهاالذاكرة كأيام سعيدة كانت الحرارة فيها مرتفعة فلا أجد .. يرتبط الحر عندي بالمزاج السيء .. أجتهد لأحافظ علي إبتسامتي بينما أتفكر كيف تمر الليلة بأقل خسائر ممكنة .. الكافتيريا الصغيرة مزدحمة كأي ليلة خميس منطقية .. هل هذا التتابع من الحظ السيء منطقي ؟ .. نستسلم للزحام و ضوضاء المكان و ننتحي في جانب قصي من المكان كراسيه عالية بلا مسند للظهر ..تبدين عصبية في إستياءك من إختياري للمكان.. بدت عصبيتك مبالغ فيها فحاولت تخفيف حدتها بلا جدوي .. دقائق من السكون تنفثين فيها دخان سيجارتك لا يسمع فيها سوي موسيقي الجاز في المكان و همهمات رواده .. أبحث عن شيء علي شاشة الموبايل يصلح للإختباء بداخله .. تفاجينني يا ريم بالنوتة الصغيرة التي تخرجينها من حقيبتك ..كنتي كالحياة تتقلبين سريعا من النقيض للنقيض ..أتذكرالنوتة جيدا و انا المحك تقلبي أوراقها و تشاركيني سطورها .. علي صفحاتها إختلطت كتاباتنا القديمة .. أبياتنا المحفوظة أو المرتجلة ويوميات و خواطر رحلاتنا المشتركة و رسومات بدائية لأشخاص و أماكن تخيلناها .. بين صفحات النوتة الكثير من التيكتس لحفلات حضرناها معا و تزاكر لترام إسكندرية مع التاريخ علي ظهرها .. يرتفع صوتك في حماسة :
- دي تذكرة أول حفلة نحضرها ... كانت حفلة نوبي لفرقة الجعافرة في مكان و علي ضهر التذكرة بيت درويش.. مثلما ينبت العشب بين مفاصل صخرة .. وجدنا غريبين معا .. و نبقي رفيقين دوما ..
- تفاجئني نفسي بحياد لا أستوعبه .. أنا معك و ثالثنا شغفك و ذكرياتنا المشتركة فأين البهجة التي توقعتها ؟ لم يا ريم لم تغمرني الفرحة أمواجا كما توقعتها و إنتظرت بسببها مثل تلك اللحظة و تمنيتها مرارا في خيالي ..
***********
غريبة غريبة غريبة ومش غريبة
اني أكون ويا الحبيبة.. دنيا مبتسمة ورحيبة
وفجأة أكون زي القلوع.. ساعة الغروب مروحين
بلا شطوط ولا حنين
وانطفي في الحال من غير سؤال
********
حل سؤال نادية من روحي محل صدمة و ألم .. هي ريم إتخطبت ؟؟ ..ثقل ما حل فوق القلب للحظات بينما هي تواصل .. هي ازاي بالقرف ده .. اجيبها في شرود .. كده كده احنا بقالنا فترة ملناش دعوة ببعض .. انا متفهم اسبابها ..
نحن بشر يا ريم في النهاية .. حين نشعر فنحن نشعر بما يباغتنا في لحظتنا و ما نتوقعه في حاضرنا القريب .. لا نستبصر المستقبل و لا نستقريء تقلبات الزمان و تبدل المصائر ..كيف كان لي حينها أن أعرف ما تخبؤه لي سنوات أخري قادمة ..
حين أنظر لتلك الأيام البعيدة من شرفة الحاضر الكاشفة فأري ما لم أكن أراه وقتها أبدو كالمراقب الذي لا يملك من النصح شيئا لذلك البائس .. فقط أتأمله في حيرته و تشوشه و تأرجحه بين حنين يؤرقه و غضب يدفنه بداخل روحه ...إني أحكي إذ أحكي الآن و أنا أري الصورة كاملة ولا أتبين تفاصيلها المقربة التي هوستني في وقتها فيما يشبه البسترة ما بين جنة و نار .. لعلها تلك التفاصيل الصغيرة هي ما يغزل الحكاية و يحيك تطوراتها لكنك تعرفين أنه من رحمة الله أننا ننسي و في نسياننا حياة ..
بعدها بشهور كنت اسرع متأخرا لألحق بحفل الأوبرا.. في الظلام أميز مقعدي و أخرج هاتفي لأسكت رنينه .. لا أبالغ حين أقول أني لسبب أو لأخر شعرت بهالة مميزة بجانبي .. أسحب يدي لأعيد الهاتف لجيبي فتصطدم يدي بيد تلمع الدبلة في أصابعها .. تتسلل عيني للوجه الذي أعرفه جيدا.. أبحث عن مقعد بديل فأجد كل الأماكن مشغولة .. أدرك أنك رأيتيني .. لا نتبادل التحية ..فقط نحاول التمترس خلف الإهتمام بالعرض .. كنت وحيدا بينما كان أيمن في جوارك .. يداعب خصلات شعرك حينا و يهمس لك بشيء يضحكك حينا آخر .. يقترب الحفل من نهايته فأسرع للخروج .. رأيت فيما حدث مصادفة سخيفة لكن هل في الأقدار ما يسمي صدقا بالمصادفة ؟ هي الأيام تجيب علي تساؤلاتنا و تبصرنا بما غفلنا أو تغافلنا عنه .
.
أقرر تجنبك للأبد لكن تبدو هذة كذبة أخري .. بعدها بشهور كنتي تتصلين بي للإعتذار .. نسند اقدامنا علي السور الخشبي المحاذي للنهر في النادي النيلي المعتاد .. تخبريني أني لم أكن جادا ..تبكين و أنت تحكي عن أيمن و تضحكين و أنت تتذكري رفقتنا .. أيام و كنت انفصلتي عنه و رغم ترددي عادت الدائرة بيننا لأولها من جديد .. ثم إنقطعت و عادت بقدر طاقتنا النفسية و بقدر إيماننا بنضوجنا الذي دائما ما خاب .. كنتي الحل الأسلم و الأبعد حتي ظننت في وصلنا و إنقطاعنا سنة من سنن الكون الأبدية كالغروب و الشروق ..مازحتك وقتها : " لو تمينا أربعين سنة و فضلت ملطشة معانا بره كده نبتدي نفكر في الموضوع بشكل جدي .. اهوه نكون لفينالنا كام لفة حلوين كده و السنارة مطلعتش بحاجة و اتأكدنا إن البحر مابينوش فيه سمك من اللي بنحبه "
كان حتما علي في النهاية أن أخبرك يا ريم رغم محبتي لكي و قناعاتي أنك الوحيدة التي تصلحين كونيس لي هذة الدنيا .. و ما يستدعيه ذلك من إنقضاء معني و حكمة الحياة بإنقضاء علاقتنا .. أقول كان محتما علي أن أخبرك أن قصتنا من القوة بحيث تعود دائما و من الضعف بحيث لا تقوي علي الإكتمال .. و أنسحب في هدوء مبتلعا وجع الإبتعاد في هزيمة ضرورية
********
امشى فى الفجر حافى
الرزاز يرعش كتافى
قلبى يبقى نبع صافى
وجننى طول البعاد
******
لا نتذكر تحديدا في أي شارع تركنا السيارة .. الشوارع كلها متشابهة و كلها مزدحمة علي أي حال.. فلنتمشي بمحاذاة الكورنيش و ندندن كما كنا نفعل في الماضي الغابر .. من الزمالك مرورا بوسط البلد ثم جاردن سيتي فالقصر العيني فالمنيرة ..ثمة امطار خفيفة تندي من السماء فتضفي خلفية مناسبة نوستالجية للمشهد ..برغم هذا تخرج الكلمات و الأغاني مصطنعة متكلفة لا أثر فيها لنشوة قديمة و لا إلتماعة عين أميزها لديك فنتواطؤ علي الصمت المشترك .. أضبط نفسي متلبسا بالتفكير فيمن سأسكب في قلبه تلك الحكاية .. عجيب التنوع فيمن صادفتهن و عجيبة لعبة الإستغناء و الحاجة التي يمارسها الكون و تفضي إلي تلك التباديل و التوافيق ..
الهجر في أسوأ أحواله سوء تفاهم يمكن تلافيه أو علاجه ..علي أقل تقدير في صورة إيمان زائف أو إنتظار مفعم بالأمل الكاذب في طرقة ما غير متوقعة تحيي أزهار الروح من جديد .. لكن في هذة اللحظة بدا موت الشغف و الإنسحاب التدريجي لكل أشكال الإهتمام المتبادل مؤشرا صامتا علي ذبول المحبة .. هل هناك علاج لإنقضاء المشاعر يا ريم ؟ ..
أعرف أنك مثلي .. جئتي اليوم بأحلام و أماني بددها الليل و أفضانا إلي ثمة واقع ثقيل يتراءي لنا عن بعد و يوجب علينا تقبله ..أوصلك لأول شارع بيتك و تبتعدين بينما أفكر أني نسيت الورد في المقعد الخلقي للسيارة .. انتي ابعد من ان احاول مناداتك .. لسبب ما شعرت و أنا أراكي تختفين في الأفق و يتطاير شعرك مع هواء الفجر اني لن أراكي مرة أخري .. أو علي أفضل تقدير قد نستثمر الإرتياح و التفهم فيما بيننا و نعيد تدويرهم في صورة فضفضات موسمية , لن تندهشي فيها إذا أتي ذكر إحدي عابراتي الحزينات و لن أغالب إرتباكي إذا أفضتي إلي بخططك في بلاد بعيدة..فقط قد نبتسم و نتذكر البراءة الأولي وطزاجة مشاعر البدايات .. وقتها قد نسبتدل بهجة منير و حيوية نوستالجيته في ” إمبارح و انا زاهي بشبابي مع جملة احبابي الليل و الدجي و إمحانه و إحنا يا سهرانين ” فيحل مكانها هدوء نوستالجيا سعاد ماسي و حكمتها في ” و إتوحشت الطرقان اللي حفظوني.. إتوحشت حتي اللي كرهوني .. و إتوحشت ريحة مسك الليل ” ..