الاثنين، مايو 10، 2010

حنين


أرتقب الآتي ولا يأتي...تبددت زنابق الوقت...عشرون عاما وانا احترف الحزن والانتظار...
آتاه صوت فيروز هادئا حزينا من هاتفه ينبيء عن متطفل آخر يصر علي ازعاج خلوته ولحظاته القليلة التي يسرقها للانفراد بنفسه...لعين هذا الاختراع بعدما حول الانسان الي كائن محاصر تحت الطلب في اي وقت واي مكان حتي في أشد لحظات حياته خصوصية...يتفهم الآن وبعمق مقولة سارتر بأن الآخرون هم الجحيم ويتمني لو يتركونه يمارس عزلته بعيدا عن منغصات العمل ومشاكل الحياة المعتادة...يترك مقعده في الشرفة وصور الطفولة التي كان يطالعها بحنين بالغ ويتجه ببرود الي مكتبه حيث يرقد الهاتف...الشاشة تضيء برقم غريب غير مألوف استرعي انتباهه...
فجأة..ودون اي مقدمات..شعر بحفيف روحها يتسلل الي المكان خلسة...ويداعب قلبه الذي يشتاق اليها بقسوة مفرطة...تمني لو كانت هي...تمني لو كان اي من رفاق رحلته الحياتية الغابرة الذين رحلوا في صمت وغادرت سفنهم مرافئه الحزينة بعدما ارتاح وأنس لوجودهم فيها وتركوا علاماتهم الأبدية المشوبة بطعم الحنين ورائحة الأيام القديمة...كم يعشق الارقام الغريبة..والرسائل المجهولة المصدر...ونغمات هاتفه بعد منتصف الليل التي تعد بونيس ليلي حميم وسهرة أخري دافئة...يراهم فرص متنكرة لعودة الغائبين او لولوج وجه جديد لحياته الي تحتاج أشد ما تحتاج الي التغيير وتجديد الدماء...معادلة منطقية للغاية لكائن مثله يتغذي علي العلاقات الحميمية المتبادلة ولحظات النشوة المشتركة..
يتردد كثيرا قبل ان يضغط زر الاجابة خشية ان تكون هناك طواريء في العمل تستوجب وجوده...كثيرا لدرجة ان الهاتف قد اتخذ قراره الحاسم بالصمت عقابا لهذا التردد...كثيرا لدرجة ان فيروز اوشكت ان تنتهي من وصلتها الغنائية قبل ان يخرسها المتصل وينهي الاتصال الضائع...وان ميسد كول...
يعد لنفسه قليلا من النسكافيه الساخن ويتأمل وجهه في المرآة...يحاول تخيل سيناريوهات ناجحة للمكالمة...سيلومها في البداية علي الغياب الطويل...علي النهاية المبتورة لعلاقتهما...كلا...سيخبرها انه حاول ان ينساها يالكثيرات لكنه ولكنهن جميعا لم يفلحوا...سيصارحها في حنان بالغ انه من الغريب ان تعتاد تناول صباحاتك واستطعام ليلاتك مع شخص ما ثم تصحو لتجد نفسك منساقا الي الحياة بدونه تماما...سيؤكد لها في حنو متصاعد ان حضنها هو الموطن الطبيعي والمثوي الاخير لروحه المتلهفة...سيتفق معها علي ميعاد لهذة الليلة انتظره طويلا وفي المكان الذي شهد طقوس حبهما الأولي وأحلامهما البريئة ومشاعرهما المنطلقة كحصان جامح...
استوعب السيناريوهات واستعد لما سيقوله جيدا وشرب القهوة علي عجل ...أمسك بالهاتف وبحث عن ذلك الرقم المجهول الذي اتصل به منذ قليل...ضغط زر الاتصال...رنين ثم صوت أنثوي علي الجانب الآخر...
صباح الخير يا افندم...تحب تاخد فكرة عن العرض الجديد لكارت الفيزا من البنك التجاري الدولي؟؟؟
نزلت الكلمات كدش بارد جعله ينهي الاتصال بعنف ويلعن جميع الكائنات الزلالية التي تطارده حيثما وحينما لا يتوقعها...يأخذ ما تبقي من قهوته الي حيث مقعده في الشرفة...يلقي بالصور جانبا...يتأمل الشفق...ويواصل الانتظار

ليست هناك تعليقات: