الأربعاء، ديسمبر 16، 2009

حالة كده

السادسة صباحا...
مواء قط يدوي من مكان ما بالمنزل...لا اعتقد اني امتلكت قطا يوما ما...اتجاهله واواصل البحث عنها...لا اثر لها... احاول الاتصال لاصطدم بتلك الرسالة المعلبة الاكثر احباطا في التاريخ... غير موجود بالخدمة...حارة سد...رجاء ترك صفارتك بعد سماع صوت الرسالة...اراها خلسة كخيال يخرج من الباب الي الحديقة الخارجية...مواء القط يعلو من جديد حتي يغطي علي صوت انفاسي ودبيب اقدامي وانا اركض وراءها...احاول النداء والصراخ فلا تسمعني...لسبب ما فقدت صوتي فتنكتم صرختي بداخلي...ابحث في الحديقة ثم الشارع في تلك الساعة المتاخرة فلا اجد الا الظلام الدامس والصمت المطبق والبرد القاسي...ايأس واقرر العودة ادراجي للمنزل لكي اكتشف اني ضللت الطريق...لا كائن هنا كي اسأله...اركض ثم اركض بلا هدف معين...تتبدل الخلفية من خواء مطلق الي زحام خانق وانا اقود سيارتي خلاله...لسبب ما لا اعرفه يجب ان الحق بالطائرة التي تقلع بعد دقائق حتي اعود لبيتي وسريري الدافيء...الزحام يتضاعف ...اكسر زجاج السيارة واخرج منها لاواصل الركض ثم...


السادسة صباحا...

[ كرونوفوبيا...الخوف من الفقد وفوات الاوان]

السادسة ودقيقتان...تماما

ا ل ل ع ن ة...تلك الكوابيس من جديد...تلك التي تفوق منها في اواخر الليل لتحمد الله علي انك تحلم وانك في امان جزئي...انهض لاشرب واعود سريعا لاحتمي بالاغطية من هذا البرد القارص...احاول التعبد من جديد لالهة النوم لعل وعسي دون جدوي...اقضي ما يقرب من الساعة في المحاولة حتي ايأس من رضاها عني...فقط الوعي يدخل في مستنقع ويخرج منه دون ما يمكن ان تطلق عليه نوم حقيقي...عقلي يعمل بصورة زائدة كطاحونة هولندية عفية تفتت الافكار لتعود وتطحنها من جديد...اعصار من الهدوء يضرب سواحلي بعنف ويكاد يعصف برأسي...خليط من الافكار والذكريات تزدحم في شوارع الدماغ الاشبه باشارة كوبري الجلاء في ساعة الذروة...الذاكرة لعنة كما يقولون...(باندورا بوكس) ما ان تفتحه حتي تخرج منه للهواء ملايين الثعابين والذكريات المنسية...اجاهد مجددا من اجل النوم لا للراحة لكن للهروب من عقلي...النوم هو الملجا المثالي للهروب من الارهاق الجسدي وايضا الارهاق النفسي...هو الفلتر الافضل لشوائب ايامنا الاسوأ...اليوم هو السبت و لااجد فيه في العادة ما افعله صباحا سوي القراءة ومشاهدة الافلام علي الكومبيوتر وترتيب حاجياتي والهروب من الاتصالات الهاتفية الملحة من الاصدقاء وزملاء العمل...مؤسف ان يكون لدي نهار شتوي جميل كهذا ولا افعل فيه شيئا...اشعر برغبة في ان اقوم بأي نشاط يقاومها كسلي النفسي وجسدي المهزوم...حرب اهلية حسمتها لصالحي بعد تخيلات فنجان الكاكاو الصباحي الساخن وابخرته الراقصة واغراءات اصوات خافتة تناهت الي مسامعي من الشارع الذي بدأت الحياة تدب فيه من جديد واشعرتني بالحنين لكثير من البشر...

*********************

انهض لاسخن الحليب لاشجع نفسي علي استكمال الحياة من جديد ومواجهة يوم اخر...دائما المشروبات الساخنة هي احد اهم ملاجئنا للاحساس بالامان والدفء والحميمية الهروب من برودة الشتاء الجوية والروحية...افتح الشباك لاطل علي الشارع...صباح شتوي تقليدي...الشمس لا تزال تغالب نعاسها بضوء ابيض خافت...ثمة نسمة باردة محببة في الجو...الكثير من حافلات المدارس والشركات بهدير محركاتها الثقيل...ابحث في الثلاجة عن شيء ما يصلح للاستخدام الادمي لاكتشف انها اصبحت مخزن لكل انواع الماكولات المتعفنة واللبن المجبن والفواكه التالفة بل ولكريمات الشعر وحلاقة الذقن التي كنت ابحث عنها منذ فترة...العن الوحدة وسفر زوجتي تارة ثم اتذكر الاخيرة فألعن الزواج والاجتماعيات الواجبة تارة اخري...
مؤسف ان تلقي الزهر مرتين فيخيب حظك في كلتاهما...فيقودك حظك التعس لان تحيا نصف حياتك مع أم عنيفة وقاسية ونصفه الاخر مع زوجة عصبية ومتزمتة...فتكون المحصلة هي حياة كاملة في برنامج الاتجاه المعاكس...ان يكون سوء الاختيار هو مرض وراثي ينتقل من جينات ابيك لجيناتك ليسبب لك الكثير من الالم كلما تذكرت ماضيك و اطنان من الاحباط كلما تخيلت مستقبلك...يؤنبني ضميري كثيرا واشعر بعقدة الذنب كلما رأيت كلتاهما (الام والزوجة) بصورة سيئة ومفزعة في احلامي...لكنه العقل الباطن يا عزيزي...لا يعرف المحظورات ولا يرتبط بالواجب...
سافرت زوجتي لظروف عملها منذ فترة تاركة لي عبء الاعمال المنزلية وميراث ثقيل من الوحدة احترت كثيرا في صرفه...سبب لي حالة من الشجن الدائم ونوعا من الاكتفاء الذاتي...وكثير من الذكريات الحزينة حاولت مرارا ان اتناساها وان اعتبر فترة غيابها هي فترة نقاهة وحاولت عبثا اسقاط ايا من الافكار والذكريات التي تتصادم في رأسي ككرات البلياردو في اي بوكيت فارغ دون جدوي...اذا اردت ان تدفع انسان ذكي للجنون فقط دعه وحده لفترة وسيتكفل عقله بالبقية...نتيجة حتمية لخطة محكمة وجريمة شديدة الاتقان
************************************

اترك المطبخ بعد ان افرغ الثلاجة بما فيها في القمامة واترك الحليب ليسخن علي نار هادئة وابحث عن شيء ما مسلي في التلفاز في هذا الوقت المبكر...نشرات الاخبار الصباحية المعتادة وسط تثاؤب المذيع ومزيدا من الهم والذل والاحزان العربية اخلعه عني كجورب متسخ واغلق التلفاز بعنف واتجه للكومبيوتر...انقب عن اغاني فيروز وسط ملفاته المبعثرة حتي اجدها...ثمة ارتباط شرطي بين الشتاء وفيروز...طقوس ايهما لا تكتمل الا بالاخري...تبدأ فيروز في الشدو بأغنية ( احترف الحزن والانتظار) ولسبب ما تروقني فأسمح لها ان تكملها...اتذكر بعد فوات الاوان كالعادة اللبن الذي نسيته علي النار فاهرع الي المطبخ واطلب من معشوقتي فيروز ان تحترف الانتظار لمدة خمس دقائق اضافية حتي اعود...
********************
ارتقب الاتي و لا يأتي...تبددت زنابق الوقت
عشرون عاما وأنا احترف الحزن والانتظار
(غناء فيروز وكلمات الاخوين رحباني)
http://www.youtube.com/watch?v=n2h9dkz0qWo
********************
اعود من المطبخ مظفرا بكوب الكاكاو الساخن بطعم اللبن المحروق ضريبة عن الدقائق التي تأخرتها عليه...اجد فيروز وقد انتهت من وصلتها الغنائية وعادت الي بيتها علي القرص الصلب...فهي من المطربات المحترمات اللاتي لا يجالسن الزبائن ( او علي رأي مصطفي حسام صاحبي عايز فيروز تلاقيها في التلاجة...انا بهزر علي فكرة)...اتركها لتستريح قليلا وادعبس في اغاني منير حتي اجد (عنقود العنب) واجدها مناسبة لحالتي النفسية فأضغط عليها...كما يقولون الحزن طقس لا يكتمل الا بالموسيقي...عندما تعتاد الوحدة (وحدك او وسط كائنات لا تهنأ معها بالتفاهم الروحي التام) لا تشعر في العادة بالفرحة العارمة ولا الحزن المسرف ولا تجد مبرر قوي لايهما بل ولا يثيرك شيء لتلك الدرجة...يكون الحزن المباغت في هذة الحالة هو مجرد فقاعات قديمة او تراكمات من الحزن الغابر ظلت مدفونة في القاع ثم طفت فجأة علي السطح لتظهر كنغمات مؤقتة علي خلفية موسيقية مزمنة تتسم بالشجن والهدوء... في كل الاحوال انت لا تمتلك حق الاعتراض لانك من اختار وحدتك وانت من اختار شريك حياتك ايضا وعليك ان تتحمل التبعات
اشعر فجاه برغبة في التواصل وكسر تلك العزلة الصباحية فامسك بالموبايل وابحث بين الارقام عن جليس صباحي يصلح كي اشكو له احزاني...اذا اردت ان تميز بين اصدقائك ومعارفك فالصديق هو من تستطيع مستريحا ان تتعري امامه نفسيا وتحكي له كل مشاكلك دون ادني خجل او ترقب...حرصت طوال حياتي ان ابدو في صورة الضاحك المحب للحياة وان امنتج اي لقطات اخري في دراما حياتي قد لاتوحي بذلك...مع انه جلي لمن يبصر ان مزحاتي المتتالية ما هي الا محاولات يائسة للتشبث بالحياة...وان وراء الضحكة التي لا تهدأ قلب جريح ينزف بشدة...اواصل البحث في ذاكرة الموبايل لاصطدم بأرقام كثيرة انتهت صلاحيتها منذ فترة وذهب اصحابها الي حال سبيلهم وصارت ارقامهم المنسية مجرد عبء اخر علي ذاكرة موبايلي الصغيرة...العن جميع من افتقدهم واحتاجهم بشدة في هذة اللحظة...وكاني ارسل امر ذهني للموبايل فاذا به يرتعش فجأة ويضوي برقم احدي زميلات العمل فألعن من يؤرق سلامي النفسي في هذة الساعة المبكرة...زر سيلنت هو الحل لكثير من مشاكل العالم...اهوي جمع المتناقضات كما يهوي البعض جمع الطوابع والعملات...اتساءل عن تفسير ذلك الاحساس فاخمن انه بعد ساعات طويلة من العزلة والانفرادية تصبح الوجوه غير المالوفة نوع من العذاب النفسي...وهذة الفتاة لم تنجح قط ان تكون مالوفة لانها ببساطة بلا عيب...من الصعب ان تعشق امرأة لا تعرف نقاط ضعفها
*******************************
اراجع سريعا بريدي الالكتروني فلا اجد شيئا ذو اهمية مجرد فورووردز من اصدقاء لا تنبل في ايميلاتهم رسالة...بعضها يعدني بالحب السريع اذا ارسلتها لعشرة والبعض الاخر يحذرني من التحول لبطريق اذا لم ارسلها فورا لعشرين...ادخل الماسنجر (ابير اوفلاين) لأجد مجموعة من الاصدقاء المتصلين...من تلك النوعية التي لا تعيرها اهتماما في العادة وتعتبرها جزءا من باكجروند او خلفية الماسنجر لا يجدي الضغط عليها ولا يغريني كثيرا ان ابدا معها حديث من نوعية ( ازيك الحمد الله واحشاني وانتا اكتر طب سلامو عليكو) و لا اعتبر هذا نوعا من التواصل...قالها جيم كاري في احد افلامه الخالدة...كثرة الكلام ليست دليل علي كثرة التواصل:
constantly talking isnt neccessarilly communicating(eternal sunshine of the spotless mind)
اقلعت منذ امد بعيد عن علاقات النت البحتة...تلك التي تبدا بالسؤال عن السن والتحقق من الانوثة يليها سؤال (عندك صورة او ممكن تفتحي الكام؟؟) وايقنت ان انتقالي من عالمي الحقيقي لعالم نت افتراضي ما هو الا قصور في الهواء تبني بروابط من الوحدة وتزول بزوال السبب وانقضاء تلك الوحدة...وان كتاب الوشوش (فيس بوك) ما هو الا كتاب للوشوش بالفعل... لا اكثر ولا اقل...مجرد سطور اخري متجددة يكتبها لك الكتاب او الفتاة التي تسكن احدي صفحاته ليقدمها لك طازجة يوميا...وينتهي بك الحال ان تحب امرأة من سطور لا امرأة من لحم ودم وانوثة...حد ينفع يحب كتاب؟؟!!
*****************************

لسبب ما تذكرتها فاتصفح صورها المخفية علي الكومبيوتر...في الواقع انت لا تحتاج لسبب...عندما تسكن فينا قصة حب غير مكتملة تصير كالفيروس يحتل دائما جزءا لا بأس به من تفكيرك رغما عنك...وانا لم اقتنع داخليا حتي هذة اللحظة بالنهاية التي اختارتها وهي الصمت المريب الذي يرميك لكثير من الاحتمالات...خاصة مع مثلها لا تقابلها في العمر الا مرة لتندب حظك كلما تذكرتها...ذلك التآلف الذي الذي لا ينجم عن معاشرة بل عن تفاهم روحي تام...وحدها من استطاع اختراق وحدتك الداخلية واحتضان قلبك...ووحدها ايضا من تشاركك ذكري في كل مكان وطأته قدماك وكل اغنية طربت لها اذناك فرغما عنك تهرب منها لتهرب اليها...
***************
الحزن سرطان الروح...وانت كنت العلاج الكيماوي...تقتل السرطان وتقضي علي كثير من الحياة معه (نرمين نزار-عن مدونة اسكندرية بيروت)
***************
يقولون ان مراحل الرجل العاطفية ثلاثة...تبدأ بالحب من اجل المتعة والتسلية وتمر بالحب الحقيقي دون استعداد نفسي للارتباط وتنتهي بالحب من اجل الارتباط حتي لا يسرقه الزمن...وانا مررت بهم جميعا حتي تزوجت من فتاة احببتها ورأيت فيها الام الصالحة لاولادي...ومرت سنة لا اكثر ثم اكتشفت ان العشرة قد تقتل الحب...وان اجمل ما في الحب اوله حين لا تري في حبيبك سوي مزاياه نتيجة لمراية الحب العمياء...ثم يكون الزواج بمثابة عملية المية البيضا لتري في زوجتك ما لم تكن تراه من قبل وتبدأ المشاكل...اعترف اني عاشق فاشل تماما...امتلك رصيد حافل من قصص الحب القصيرة التي لا تكتمل...ضربات خفيفة متتالية ادت لندبات ورقع في قلبي الذي يحتاج لاعادة تدوير من جديد بعد التجاعيد التي ظهرت علي وجهه...
عندما فقدتها منذ فترة احسست بخلل ما قد اصاب معادلة الحياة...حاولت تعويضه بحب اخر انتهي بالزواج...ثم احسست ان الزواج لم يكن هو المتغير الذي ينقص المعادلة حتي تعود لطبيعتها...واخذت ابحث عن ذلك المتغير في الانغماس في العمل احيانا والهروب لشبكة الانترنت احيانا اخري ولا بأس من افتعال مشاكل وهمية مع زوجتي او حتي تعلم شيء عبيط او ممارسة نشاط لا يعنيني بشيء علي الاطلاق...حينما تكون محب مهزوم فأنت تلجا لفعل الكثير من الاشياء التي لم تكن تتخيل نفسك تقوم بها علي الاطلاق وقد تشعر بعدها بالسذاجة والهطل...قد تفعل اي شيء لتهرب من ذلك الامل الضئيل كخرم الابرة في ان تعودوا من جديد...انه الامل...مصدر قوة الانسان الرئيسي وايضا مصدر ضعفه الاول...هكذا يقول فيلم ماتريكس
**************
رقمها الان يسطع علي شاشة الموبايل...لشهور ظل هذا الرقم جثة دفينة لم تفكر قط في استخدامه...ربما لان اليأس لم يكن قد وصل بك الي هذة المرحلة...انه اليأس يا صديقي المحرك الاول للتغيير والدافع الرئيسي لاي فعل احمق في الحياة...تتوقع السيناريوهات الاسوأ...ان تصدمك بانها مثلك قد تزوجت...انها تكرهك ولا تطيقك مجددا...او حتي لا ترد او تكون قد غيرت رقمها...السيناريو الافضل ان تتقبلك بترحاب ممزوج بفترات صمت محرجة وكثير من المشاعر المرتبكة والاسئلة التافهة وتأنيب ضمير تجاه زوجتك...تعيد التفكير...تغمض عينيك...تضغط زر الاتصال
*****************
حالة كده...معرفش ليه تنحت للدنيا كده
وفجاة لقتني مسكون بالملل...
لا عندي رغبة في البكا ولا في الكلام ولا عايز انام
ولا حتي بسأل ايه ده ايه واخرتها ايه...وايه العمل
واخاف اقول لاي حد...احسن يقوم يقلبها جد
حد صاحبي ينزعج...يمد ايده جوه قلبه من باب الكرم
عشان يشاركني الالم...حالة كده
لا معاها ينفع كلمتين ولا غنوتين ولا لقطة من البوم صور
الاقي قلبي في الهوا ويا الكور...حالة كده
(جزء من قصيدة حالة كده للشاعر الرائع علي سلامهhttp://www.youtube.com/watch?v=ग्ज़ः२ऊएव्स)


ليست هناك تعليقات: