الاثنين، يوليو 05، 2010

علاقات متقاطعة

اليوم فقط أدرك أنه كان غبيا بالقدر الكافي تماما... لم يكن يحتاج للكثير من ملكات الحدس لكي يستنتج أن الكثير من الأمور قد تغيرت عما كانت بالماضي القريب... أن تتحول كلمة حبيبي مع الوقت لتناديه باسمه المباشر ليس بالأمر المعتاد... رقمها الذي قلما صار يضيء هاتفه المحمول... وحتي بريق عينيها المرح الذي لم يعد كما كان كلما التقي بها بعد فترة غياب طويلة... علامات كثيرة انتشرت علي جانبي الطريق لكنه لم ينتبه اليها في الوقت المناسب... واستمر باصرار وحيد قرن علي الاندفاع نحو المنحدر


***********

نهار شتوي محبب إلي قلبه تتساقط فيه الأمطار بغزارة... الأمطار طقس يحبه كثيرا لكن نادرا ما
يلقاه... يتسلل سريعا بين الشوارع الخالية الغارقة بين عمارات حي الزمالك حتي يصل لذلك المقهي الصغير الهاديء في الميدان... يحب الاستمتاع بالقهوة في الطاولة المجاورة للرصيف لكن الامطار الغزيرة تجبره علي الاحتماء بالداخل... المكان بالداخل صغير ويحتوي علي عدد قليل من الطاولات... يختار الآقرب للنافذة ويضع اللابتوب وعلبة السجائر الفخمة وارهاقه جانبا ثم يجلس مستمتعا بالدفء...يشغل جهازه ويشعل سيجارة ثم يتجول بعينيه بحثا عن النادل ليطلب كوب النسكافيه المعتاد... تتحرك عيناه ككاميرة مراقبة أمينة في المكان حتي التقط وجهها فجأة فتهللت أساريره وهم بالنهوض للجلوس معها... نظرة سريعة علي الشخص المألوف الجالس بجانبها والذي يضع يده علي كتفها بحميمية شديدة جعلته يصاب بالبلاهة لفترة قبل أن يستوعب الأمر تدريجيا...

أن تندهش عيناك ويحترق قلبك لمشهد حبيبتك في أحضان رجل آخر لهو شيء كارثي في حد ذاته... يزداد الأمر ألما حين تدرك أن هذا الشخص هو حسين صالح صديق الجامعة المقرب الذي قاطعته منذ أمد بعيد لاختلافات جذرية بينكما... لا حاجة بالطبع للحديث أنك كنت سبب هذا التعارف والود الممتد بينهما فأنت تعلم وتندم علي هذا كثيرا

لطالما حيرته التباسات تلك العلاقات المتداخلة وأرهقته دهاليزها كثيرا... تصير جسرا لتعارف اثنين من أصدقاءك المقربين ببعضهما البعض ثم تخسر أحدهما فتتوقع أن ينهار الجسر وتنتهي علاقتهما بالتبعية...تدريجيا ستتقبل الوضع علي مضض...تدريجيا ستؤرقك تخيلات علاقة غامضة لا تعلم عن تفاصيلها الكثير...تدريجيا ستتلقي ضربات مفاجئة متتالية قد تفقدك انزانك لفترة لكنك تمتصها بشجاعة محارب وصمت رجل يعرف أنه لا يملك حق الاعتراض فهو من بدأ كل شيء ليتحول كلامه عنه معها من (واحد صاحبي اسمه حسين) إلي (حسين) فلا داعي الآن للمقدمات... أن تجمع بحسن نية خطين دراميين وسيناريوهين منفصلين ومسارين مختلفين تماما علي ظهر الأرض لتصبح النتيجة علاقة ألقيت ببذورها الأولي في القلوب وتعهدتها بالرعاية حتي صارت مصير واحد مشترك...

إحدي مشاكل الحياة الرئيسية هي التوقع... نحب أناسا ونتوقع أن يبادلونا الحب... بل ونتوقع أساليبهم
للتعبير وقراراتهم لاثبات هذا الحب... ثم يخذلوننا بسيناريو مختلف عن ذاك الذي رسمناه فنصاب بخيبة الأمل... مع الوقت تتعلم أنك لا يحق لك أن تقطع علاقة لست أنت أحد طرفاها لمجرد أنك قاطعت أحدهما والآخر أحد أصدقاؤك المقربين... مع الوقت تكتشف أن لكل شخص تعريفه عن الحب وحدوده الدنيا للتعبير عنه لا يشترط أن يتطابقا مع مع مفهومك الخاص وحدك الأدني...عن الصداقة نتحدث أما في الحب فالأمر يختلف كثيرا... فالخيانة خطيئة لا تغتفر ولا تملك أن تتوسط بقلبك لدي عقلك لتقنعه بالتسامح أو التناسي...

الآن يجلس وعلي بعد خطوات منه جرح غائر يدميه عن بعد... لا يدري إن كانوا قد لمحوه أم لا لكن تركيز نظراتهما في الجهة البعيدة عنه وتحاشي النظر ناحيته جعله يدرك أنهم قد رأوه... ثمة حقيقة معروفة تلك... من مارس معك الكذب أو الخديعة أجبن من النظر إليك مباشرة ولا تقوي عيناه علي ملاقاة عيناك مما يسلبه نشوة انتصاره الزائف...

شعر مع كل قبلة وحركة حميمية متبادلة بينهما بشيء ما ينكسر بداخله... وما زاد الخناق حول روحه هو أنهم لم يرحموا مشاعره ولم يحترموا تواجده في المكان... شيء لا يدعو للحزن بقدر ما يدعو للاحتقار وإعادة النظر فيها كامرأة محترمة ومتزنة نفسيا وتملك قدرا ما من الإحساس... لثوان فكر أن ينفعل لكنه ارتأي الانفعال هو الجسر الذي سيعبر به من التجاهل إلي الاعتراف بالهزيمة... لثوان فكر في الشجار معها فيما بعد لكنه حسم أموره تماما وقرر ألا يدع أي طريق يصلح لرجعة ممكنة وأن يحرق بحطب الخيانة جميع دروب العودة إليها... لارجل هنالك يقبل أن يعود إلي أمرأة خانته ببرود أعصاب وعمي قلب متناهيان... ناهيك عن أن لا رجل هنالك يرتضي أي نوع من البقشيش العاطفي عند انتهاء علاقة الحب علي غرار (خلينا أصحاب)...

لعلها أفضل من أجدن اللعب علي أوتار قلبه... لعلها أكثر من أحبهن من النساء...لعل الحب يصير بعدها كله متشابها كتشابه الأوراق في الغابات كما يقول نزار... بل لعلها الأكثر تداخلا في حياته للدرجة التي سيحتاج معها لفترة حتي يعتاد الاقلاع عن طقوسهم المشتركة وعن تواجدها المكثف وعن الأغنيات التي طالما غنياها سويا والاماكن التي اعتادا ارتيادها وحياة كاملة اصطبغت بألوانها الزاهية مما سيطيل من مدة وألم انسحاب روحها من دمه...الذاكرة لعنة كما تعرف... ستصير أشياء مثل أغاني منير وأفلام جوليا روبرتس وقصائد العشق وفناجين الآبل سايدر ودرب ١٧١٨ وشارع القصر العيني وحتي المقعد الخالي بجواره في السيارة وكل ما يري صورتها من خلاله هي أشياء ثقيلة علي قلبه تدفعه لدائرة من الاشتياق والشجن... لكنه سيعتاد... حتما سيعتاد...أنت تعلم جيدا أن الوقت والوقت وحده هو العلاج الأمثل لمثل هذة الجروح... صدقني

لعل ساقية علاقتهما مرت بالعديد من المراحل المتكررة تبدأ دائما بالاعجاب المتبادل ثم الصداقة الدافئة فالعشق المجنون ثم توتر العلاقة والهجران المتبادل إلي أن يرهقهما الضياع فيعودا سويا بمزيد من الحنين والاحتياج (التشبيه لنرمين نزار)... لكنه يوقن تماما أن هذة المرة تختلف و أنه يعايش حصريا وفاة اكلينيكية نهائية لعلاقة استمرت لسنوات.... ويشاهد علي الهواء علي بعد أمتار مراسم الدفن واحتفالات العزاء...لا تستطيع العودة لامرأة لم تعد تحترمها مجددا وإن مزقك الحنين... لا تستطيع العودة لامرأة كنت تداعب شعرها وتغازلها ثم اكتشفت أن شخصا ما آخر يشاركها نفس طقوسكما الخاصة ولحظاتكما الأكثر حميمية... عملية تبديل محكمة وجريمة قذرة شديدة الاتقان...لعلك تعلمتها منذ زمن يا صغيري لا أحد يستطيع أن يسحرك و يسلبك إرادتك وغرورك قدر إمرأة تجيد لعبة العطاء والمنع

حاول أن يبدو متماسكا وأن يتظاهر بالانهماك في شاشة لاب توب خاوية... تناهت إلي مسامعه بعض كلماتها وضحكاتها... لأول مرة منذ عرفها يراها سمجة وسخيفة إلي هذا الحد... حاول كسر العزلة بافتعال حديث جانبي ضاحك مع النادل عن الطقس... لأول مرة منذ عرف نفسه يشعر أنه مصطنع إلي هذا الحد... يعطيه النادل فنجان النسكافيه وباسوورد الشبكة الداخلية ثم ينصرف سريعا...

عواصف وأعاصير من الهدوء تدور بداخله ولا تستطيع أن تجد لها أثرا خارجه سوي توتر خفيف يظهر في حركة أصابعه ونبرة صوته ونظرات عينيه... يشعر كأنه اسفنجه تشربت فجأة الكثير من المشاعر المتناقضة التي يود أن يعصرها وينعم ببعض الفراغ الداخلي... مزيج من الحب والكراهية والأمل واليأس والسعادة والحزن والهزيمة والانتصار... والحاجة إلي تفسير مقنع منها وسط كل هذا العبث اللاعقلاني...

يحاول الانشغال بعمله علي اللابتوب لكنه يشعر بروحه تختنق أكثرفأكثر في المكان رغم أنه مكانه المفضل وهو الذي عرفها به وشهد أول لقاء يجمعهما منفردين... ثم هاهو يغلق الدائرة ويشهد اللقاء الأخير...يعذبه قذارة المشهد بكل أطرافه والرسالة الصامتة التي وصلته بأن كل شيء قد انتهي ولا جدوي الآن للكلام أو البحث عن أي تفاسير مقنعة... لا مجال للتفاوض في المحبة... الآخر يحبك او لا يحبك... لا طائل هنا من الحديث وتبادل الاتهامات... يشرب قهوته علي عجل ويغلق جهازه ويبادر بالانصراف... يراها خارجة من حمام المكان وهي تعيد علبة مساحيق التجميل إلي حقيبتها الصغيرة... تراه فتدير وجهها بعيدا مصطنعة الابتسام... كم هو مؤلم أن من كنت تراها في الماضي فتحتضنها قد تراها الآن فيتجاهل كلاكما الآخر في برود متبادل... سي لا في... تلك هي الحياة يا عزيزي...

الأمطار في الخارج قد توقفت والجو صار بديعا رائعا دعاه لأن يفضل التمشية... آه لو كانت الآن ترافقه في السير والاستمتاع بالشوارع المبتلة وأوراق الاشجار اللامعة وضوء السماء الخافت ورحيق النسيم المنعش مع قليل من الغناء الذي اعتادا ممارسته سويا... لم تنتهي العلاقة في مثل هذا اليوم الجميل?!!... أزاح أفكاره جانبا وحاول أن يقتنع أنه طالما كانت مصدر سعادتك هي نفسك فستصير سعيدا أينما حللت وطالما كانت مصدر تعاستك هي نفسك فلن تجد السعادة في أي مكان...

كان ينوي أن يبتاع بعض الملابس الجديدة لكنه ليس الآن في موود ومزاج رائق يسمح له بالاختيار ...متابعة تفاصيل وواجبات الحياة اليومية شيء صعب للغاية حين يسكن أرواحنا شخصا ترك بصماته وطبع آثاره علي أرواحنا ثم رحل فجأة في صمت دون أن نتوقع ودون أن نشبع تمام الشبع كما تقول نرمين نزار... يحتاج هذا لمدة صلاحية قبل أن يندمل الجرح ويترك ندبات صغيرة مزمنة علي جدار القلب تظل مع الانسان حتي الموت وإن لم تعلن عن وجودها كثيرا... يبحث عن مضاد للعزلة فيتصل بصديقة قديمة من بائعات الهوي لتزوره الليلة بمنزله ...كان قد قرر أن يبتعد عنها لكنه شعر بالحاجة إليها الآن كنوع من التأمين العاطفي ضد الزلازل النفسية ...


*****************

كعاهرة محترفة لم تخيب آماله... زارته في الميعاد... ضاجعها بعنف يليق بعاشق مهزوم ثم لفظها بقسوة جديرة بمحب فاقد للأمل تماما... علاقة مؤقتة تماما مثل علاقتك بالسيجارة... لعشر دقائق تحبها كثيرا... لعشر دقائق تنفث فيها غضبك وتمارس حماقاتك وتشعرها أنها عالمك... لعشر دقائق تنسي أنك أنت... ثم ينتهي كل شيء كرولر كوستر وصل لذروته تدريجيا ثم هوي للقاع فجأة... قد يصل بك الحب إلي الجنس لكن العكس غير مقنع حتي وإن حاولت أن تقنعها بذلك وحتي وإن بدت مقتنعة... يحاول أن يفتح حديثا ما لكنه يشعر بالتقزز ويقرر أن يطردها مع وعد بلقاء آخر... حاول النوم لكنه لم يستطع... فقط الوعي يغوص في مستنقع من الكوابيس ثم يعود مكدرا إالي أرض الواقع...رآها في الحلم تسخر منه وتجالس أصدقاؤه الواحد تلو الآخر... حاول بكل قوته أن يتناسي ويعود إلي الحياة بسرعة وأقوي مما كان... شعر أنه بحاجة لعملية إعادة تدوير لروحه... يقولون ان الرجل يحب بقوة بينما تحب المرأة باخلاص... يتصل بصديقة إسكندرانية طيبة يدعوها لحفل موسيقي في مكتبة الاسكندرية الليلة... تفرح كثيرا وتعده أن تذهب لقطع التذاكر بنفسها قبل أن يصل هو للمدينة الساحلية الخلابة... حين نفقد أشخاصا رغما عنا يظهر تلقائيا في سماء حياتنا أشخاص آخرون لم نكن نشعر بوجودهم ونعطيهم مساحاتهم التي يستحقونها... وبالمثل تماما حين نكسب رفقاء جدد ينسحب تدريجيا آخرون لم يحتملوا البرد العاطفي وانشغالنا بآخرون... لا أحد يكسب كل شيء ولا أحد يخسر كل شيء... تلك هي القاعدة المحفوظة...شخص اجتماعي محب للحياة مثلك يملك رصيدا كبيرا من الأصدقاء المقربين ويعرف جيدا كيف يستمتع ويكسر اكتئابه ليس هو الخاسر الأكبر بالتأكيد... بل ثق يا صديقي أن ذاك الذي استغل حسن نيتك بكل وضاعة هو ذاك الذي سيندم حين يفقد اتصاله بعالمك وهو الأجدر تماما بالحزن ...


****************

في كافيتيريا المحطة ينتظر القطار الاسباني المتجه للاسكندرية... يتصل بمها ويطمئن أن كل شيء علي ما يرام وأنها ستنتظره في تريانون محطة الرمل... هاتفه يرن مرة أخري فيتوقع أن تخبره مها بتغيير طاريء قد حدث... يفاجي حين رأي آخر رقم كان يتوقعه في ذلك اليوم... من أين أتت بكل تلك البجاحة لتحاول الاتصال بعد ما رأي منها ومن حسين صباح اليوم...تأكد له أنها تعاني بشكل أو بآخر من اختلال نفسي ما وأن مشكلتها الحقيقية إنما هي مع ذاتها قبل أن تكون مع أي شخص آخر... يضغط زر انهاء المكالمة بعنف... يفكر في تأجيل الرسالة يوما أو يومين... هو يعلم أن العلاقة قد انتهت في كل الاحوال لكن لم لا يضعها علي جهاز التنفس الاصطناعي ليوم أو يومين حتي يعود من الاسكندرية...لم يكن يريد أن يخسرها الليلة... حتي لو كانت الخسارة محتومة فليؤجلها قليلا... يكتب الرسالة ويضعها في الدرافتس... المذياع الداخلي يعلن عن وصول القطار علي رصيف المحطة... يلملم حاجياته مسرعا ويهرع إلي الرصيف ويقفز إلي القطار... يجلس ويخرج رواية لتسليه في الرحلة... يفكر للحظات ثم يخرج هاتفه...
تلمع عيناه في راحة عجيبة وهو يضغط زر الإرسال


********************

بقيت حاوى
بقيت غاوى...فى عز الجرح انا مابكيش...
بقيت عارف...اطلع من ضلوع الفقر لقمة عيش...
بقيت قادر ...ادارى الدمعة جوايا ما ابينهاش...
بقيت راضى...انام رجليا مقلوبة كما الخفاش...
انا اتعودت احلامى اشوفها بتجري قدامى وملحقهاش...
انا سلمت سبت العفرة على دقنى وصدقنى....
الدنيا دى حاجة... ماتسواش

(أغنية بقيت حاوي لفرقة مسار إجباريhttp://www.youtube.com/watch?v=g4owhnWa_PA)