الخميس، سبتمبر 30، 2010

مفترق طرق


صغيرا كان - ربما لم يتعد عمره السنوات التسع - حين إصطحباه مع شقيقته الأصغر لمدينة الملاهي المجاورة...
و برغم سنواته القليلة لم يكن خفيا عليه التوتر المتصاعد بينهما طوال الطريق ونبرات أصواتهما المحتدة...
خبيرا صار بتناقضاتهما العميقة وأزماتهما التي إعتاد التكيف معها علي مضض...
يعلم تماما أن قطار علاقاتهما معا يدور في دوائر أبدية تبدأ دائما من محاولات التعايش ثم الصدام العنيف ثم الحرب الباردة والعودة لنقطة التعايش من جديد...
ضاحكا تقافز وهو يُجلس أخته ذات الخمس أعوام بجواره في عربة السيارات المتصادمة الصغيرة ويشاهد في إستمتاع إندهاشها الطفولي المحبب والتصاقها به في رهبة...
حاول أن يطمأنها بتربيتة حانية علي كتفها وسعي لجذب إهتمامها لمهارته وجنونه في القيادة تارة ولضحكاته الصاخبة تارة أخري عسي ألا تنتبه لإنفعالات والديهما علي بعد أمتار والتي تعالت مُنذرة بشجار جديد...
مندهشا أصبح حين فوجيء بوالدته تقتحم أرض اللعبة فور توقفها وعلي وجهها يشتعل الغضب لتنتشل أخته الصغيرة في عنف وتبتعد...
لم تعره وقتها أي إهتمام ولم تلق بالا أن تلتفت إليه وهو يركض محاولا اللحاق بهما ويراقب نظرات أخته الملتاعة وعلامات الخوف وعدم الفهم التي ارتسمت علي وجهها وهي تمسك بقبضة أمها وتحاول أن تحاكي سرعتها...
متألما بات وهو يسير بصحبة أبيه ويغادران المكان سويا تشيعهما نظرات رواد المكان المتعجبة والمشفقة...
لم يكن من الصعب أن يلمح الدمع في عيني والده مهما حاول أن يتصطنع الإبتسام...
متأخرا جدا حين أدركوا أنهم -ولا أحد غيرهم- قاموا بنقش أولي ندبات الحزن المزمن بجدران قلبه ومحوا في المقابل الكثير من علامات التسامح...
مبكرا جدا حين تعلم أول دروسه في الفقد وأن الحياة ليست ببهجة مدينة الملاهي التي كان يحبها...
أدرك لحظتها وعيناه تبكي وهو يراقب أخته المبتعدة وسط الجموع أنه منذ تلك اللحظة - وربما للأبد - تعين علي كلاهما أن يمضي منفردا في سيناريو منفصل ومختلف تماما عن الآخر...و أنه قد يراها يوما ما بعد سنوات ليسألها في خجل يليق بغرباء عن أحوالها ويلعن السنوات التي تساقطت من كلاهما في الطريق والمسافات التي تزداد إتساعا يوما بعد الآخر...