الأحد، يونيو 07، 2015

ماشي الحال





, عزيزتي ايمان



اكتب اليك اليوم و قد تجاوزت شوطا كبيرا مما إنبغي علي إجتيازه .. 
و مسافات داخل نفسي كان محتوما علي ان اقطعها ولو بكثير من الألم ..
 لم يعد للأمر وقعه الثقيل علي القلب حين أصحو من النوم ليلا فجأة فأتذكرها .. لم يبق لطيفها إلحاحه السابق .. ولا بقي إفتقادها و وحشتها يمسكان بتلابيب اللحظة كما كانا حتي الماضي القريب ... كذلك فقد توقفت منذ فترة عن الشغف بالتنقيب عنها و إقتفاء اثارها علي مواقع التواصل الإجتماعي ..

لم يكن الأمر سهلا .. مسافة الرحلة الأصعب بدأت من نقطة  التشبث الأخير بالعلاقة .. حين نتساءل هل إنتهي الأمر حقا أم يجدر بنا الإنتظار و الصبر لعلها مسألة وقت ؟  تلك النقطة التي نحاول عندها إعادة المياة لمجاريها و نضغط كل الأزرار بهستيريا ( و بعضها يفسد الأمور أكثر ) .. نلهث لضخ الدم لعلاقة تتهاوي إكلينيكيا .. حتي الوصول لنقطة التأقلم و تقبل الخسارة و إبتلاع مرارة الفقد .. هدوء ما بعد العاصفة الذي نلعق فيه جراحنا و نسعي للعودة للحياة ..

الحزن أسهل إحتواءا و أقصر عمرا من القلق علي كل حال .. و لعله كذلك أفضل كرفقة.


                                                                                                     ***************


علي السطح تبدو علاقتي بها كما كانت .. لكن من الداخل  فإنها تنهار و تتداعي و تقترب من الأفول .. نحن معزولان تماما حتي حين نلتقي ..

تدركين يا إيمان أن أسخف ما في الموضوع هو ذلك الإنحسار و التراجع ..  من ذلك التشابك الحميمي نزولا إلي علاقة سطحية بحتة و العودة لمربع رقم واحد .. من كانت علي بعد مكالمة تليفون أو مشوار بسيط لوسط البلد أستشعر الآن الحرج في مجرد السؤال عن أحوالها .. و أحسد تفاصيل عالمها الذي لا أعلم عنه إلا القليل .. في البعد يرسم الخيال كل المساحات الغامضة و يملؤها بأسوأ الفرضيات .. و يترك طواحين الشك لتعصف بما تبقي منك ... يكفي شعور أن في إعتيادها لعالمها الخاص شيء من الخيانة و النكران..

الأمر أشبه يا صديقتي بتمارين الصيام .. حين يكون علي الجانب الاخر من لم نشبع منه تمام الشبع و من نتحسر علي لحظات السحر التي كانت مهيأة لنحياها معا .. لكننا في النهاية لا نقوي علي العبور إليه حتي لو تسللت ذكرياتنا المشتركة عبر ثقوب الذاكرة ( و الذاكرة الجيدة لعنة كما تعلمين ) ليس خوفا و لكن لأننا نسمو بأنفسنا أن نقف بكوب فارغ ننتظر أن يمن علينا بعضهم بقطرات من حنانه في مواسم الفيضان .. أين نهرب إزاء بخل المشاعر وسط عالم تخنقنا برودته و شحه ؟؟صادفت تشبيه عبقري ( مأثورة ألمانية علي الأرجح ) يشبه محاولة العودة مجددا للجانب الآخر بإعادة تسخين كوب القهوة البارد .. في ظني هو يلخص كل شيء..

                                                                                                      **************

أحيانا أجدني أتساءل يا عزيزتي .. بعد عدة محاولات متكررة آلت للفشل .. و بعد عدة طرق سلكتها و أفضت بي لنهايات متشابهة .. هل خلق بعضنا للوحدة ؟..
و أنتي تفهمين جيدا أن هناك أشكالا عديدة للوحدة .. ما أعنيه هنا تلك الوحدة التي نشعر بها حتي حين نكون محاطين بالكثير ممن يبادلوننا المحبة لكن يؤرقنا غياب شخص واحد يعني لنا الكثير .. غيابه وحده كفيل بأن يلغي حضور الجميع ...

حدثتيني قبلا يا إيمان أنه ليس من قبيل الأنانية في المحبة أن ننشد الشعور بذواتنا و جمالها مع من نحب .. و علي الأخص إذا كان هذا الشعور نابعا من إحساسنا بأننا قد وجدنا وطنا وسط غربة قاحلة .. شخص يترنم بنفس لحننا و يحمل مفاتيح غرف مغلقة في أرواحنا لم تر النور منذ خلقت .. تشغله نفس الأسئلة التي تحيرنا و يري الجمال في تفاصيل صغيرة لا يراها سوانا ... حدثتيني ان الحب في جوهره إرتياح و تفهم..
اليقين بإن هناك إمتدادا ما لكيانك في جسد آخر لا تنهك نفسك كثيرا في الحديث إليه لأنه يفهمك تمام الفهم..

أذكر أني قرأت شيئا مماثلا لإبن حزم يقول فيه إن المحبة درجات تصعد .. تبدأ بالإستحسان ثم الإعجاب ثم الألفة ثم العشق ثم الشغف .. أظنه كان يعني بالألفة ذلك الإرتياح و التفهم الذي قصدتيه..

                                                                                                       ************

اليوم أكتب إليك يا إيمان و أنا أفضل حالا .. لست سعيدا بالطبع فالسعادة المصطنعة لا تؤدي إلا إلي هجمات أشرس للإكتئاب ..

لست كذلك متصادقا مع الوحدة فما إكتشفته مؤخرا أني لم يعد بي الطاقة النفسية لتحملها ..

يظل هناك دائما ذلك المقعد الشاغر بجانبي مهما فعلت .. خلال إنبهاري بمكان جديد أتعرف عليه أو فيلم ممتع أشاهده لأول مرة أو تمشية طويلة في طقس لطيف أو حتي في إستمتاعي بطعام أو بسهرة أو شرائي لشيء راقني .. يظل دائما ذلك النقصان و الحاجة لرفيق من نوع خاص يشاركني تلك اللحظات .. أتكيء عليه في فترات هشاشتي الإنسانية و أسقيه بعض مني في فترات الإمتلاء و البهجة .. ذلك الإحتياج المزمن الذي يدفعنا أحيانا لإلتماس الدفء عند أنصاف الأصدقاء و طلب المؤانسة ممن قررنا تهميشهم في حياتنا .. متعبة هي الحياة حين تصير فرارا متواصلا من شعور يتملكنا و يقسو علينا ..

قلت لكي من قبل أن الإحتياج ضعف و دواؤه الإستغناء والإكتفاء الذاتي.. أن يعلو صخب الدنيا و لو قليلا علي أصواتنا الداخلية ... كان ردك حينها إنه بإعتياد الإكتفاء يسري الموت فينا بينما نمضي في الحياة .. يصيبنا فقدان شهية لكل ما حولنا فيتحول العمر لقضاء مدة ..

ماذا نفعل يا إيمان حين تتقاطع خطوطنا مع من يهبوا عمرنا المعني و نحتفي بهم و هم يجتازوا أسوارنا ثم يتبدي لنا فيما بعد الصدأ و المنغصات بداخلهم كبيت قديم مهجور .. قد نتفهم إرثهم المخزون من حساسيات و عثرات راكموها في الطريق إلينا فلا نبرر ما يفعلونه بالعهر ... قد تتبدل مشاعرنا نحوهم من الغضب إلي الشفقة .. لكن الوجع لا يختلف عمقه يا عزيزتي بإختلاف المسببات إن كانت عن قصد أو عن عمي بصيرة ... هم في النهاية تركوا جرحا غائرا بغض النظر عن الخانة التي وضعناهم فيها .. و تعرفين كيف لتراكم هذة الجروح أن يفقدنا إيماننا بالبشر ..

لا أدري هل هي الكارما أم سوء التوقيت أم سوء التصرف ؟ أم تراها هي الأقدار تعيد ترتيب الأحداث لتشكل مساراتها وتخبيء لنا ما هو أفضل ؟ . 

بناء عظيم في المكان الخطأ لا يعول عليه كثيرا .. حين نبصر أقدارنا و حين تجيب سنوات علي تساؤلات سنوات أخري مضت ندرك أنه من الرحمة أن تهدمت أركان هذا البناء سريعا .. أفسح  في القلب براحا لحكايات أخري قادمة .. تولد كما ولدت هذة القصة في رماد قصة سابقة إحترقت بعد أن تملكتني زمنا .. حتي و إن ظلت الندبة في الروح و إن بقيت البرودة في جدران القلب لفترة ..

قصتي معها إنتهت ولا علاج لذلك..تعلمت منذ فترة أن النهايات المنطقية لا تحدث في الدنيا و أن البشر موقوتون ..

الآن أسير تحت سماء صافية بي تصالح مع من أكون ولا إضطرار لدي لإثبات أي شيء .. وفي هذا قدر عظيم من الراحة  لو تعلمين ..

تعاقب الأيام في حد ذاته فلتر عظيم لكل الشوائب والأحزان التي تعلق بأرواحنا ... تبقي الحكاية بداخلنا و لكن تنسحب آثارها بالتدريج مع مرور الزمن و التجارب و الإنغماس بالحياة ... نحن نهزم الحنين بحنين آخر أقوي و أكثر صدقا ..

في النهاية فإن زيارات الحزن و إن كانت ثقيلة فهي ترينا الجمال في الأشياء .. وتدربنا علي مصادقة أنفسنا و إكتشافها من جديد ..

و صدقيني يا إيمان حين ينضب معين للمحبة في هذة الدنيا فهذا إيذان بظهور معين آخر تدركه عيوننا و تبصره قلوبنا و لو بعد حين..