الأحد، أكتوبر 29، 2017

فيلا 33

كان ذلك في العام ألفين وحداشر بقدر ما أذكر ..لا تسعفني الذاكرة في إستجلاء التاريخ تحديدا و إن ظلت التفاصيل واضحة عصية علي النسيان ..يبدو المشهد صيفا كذلك .. الفترة الملتبسة بين أواخر الشتاء و أوائل الربيع إن تحرينا الدقة .. أري نفسي مرتديا بلوفر صوفي خفيف و أعبث في جيبي بحثا عن سلسلة المفاتيح بينما أصعد علي سلم صغير ينتهي بباب حديدي تتوسطه قطع زجاجية مزخرفة..
أقف أمام الباب و أتفادي صبي صغير يسرع نازلا .. صوت أنثوي خافت من الطابق الأعلي يجتهد أن يرتفع و يغالب التجاعيد الظاهرة به :
- إتأكد إن بوابة العمارة قفلت و إنت خارج يا كريم
ألمح خيال عمتي في جلبابها و بنيانها النحيل تتكيء علي الدرابزين بالأعلي حتي تطمئن أن البوابة قد أغلقت بإحكام .. توشك أن تعود للداخل لكن شكا ما يراودها فتنادي :
- مييين؟ حد عالسلم ؟
أصعد الدرجات القليلة التي تفصل بين شقتينا حتي أبدو مرئيا لها
- ده انا ..طارق يا عمتي
- مش تعمل حس ولا تقول حاجة يا باشمهندس ..تعالا لك عندي حاجة بتحبها
أحاول الإنسحاب لكن أمام إلحاحها أخطو بداخل شقتها الصغيرة
- النهاردة الجمعة إنتا عارف بقا و عاملين فطير عظمة .. و لسه العسل واصل حاجة من اللي وصا عليها الحكيم .. إسقي الزرع علي ما اجيبهولك ..
أملأ زجاجة بلاستيكية بالماء و اعبر بغرفة نوم جدتي .. أطل برأسي فألمح إيقاعا رتيبا مكررا لحركة الجسد الساكن تحت الغطاء فأدرك أنها قد نامت ..علي الطاولة الصغيرة بجانبها تستند عصاها و نظارتها الطبية و راديو كبير عتيق أميز نغبشة خفيفة منه أخمن أنها لمسرحية قديمة .. ساعة لقلبك أو مونولوج لشكوكو علي الأرجح ..
أخرج للصالة و أسقي صوبات الورد الصغيرة في النوافذ المطلة علي الشارع الرئيسي .. في الخارج يمر الزمن مندفعا عنيفا لكنه يقف متلئكئا و يتغافل قليلا عند حدود شقة عمتي .. تكسو جدرانها أوراق للحائط مزينة بوريقات شجر خضراء بهت لونها حتي قارب الأصفر في الخلفية و أعطي إنطباعا عميقا بأصالة المكان .. في الركن ماكينة للخياطة و أورج ياماها من ذلك الطراز الذي إنتشر في الثمانينيات تعلوه كتيبات صغيرة للشياطين التلاتاشر تختفي عناوينها تحت التراب لم يفلح المفرش الموضوع في مغالبة آثار الزمن عليها .. في زمان مضي تشربت تلك الجدران بعزف مودي وبسهرات و ضحكات إحتواها المكان في عصره الذهبي أيام كان المقر الدائم لتجمع العائلة و إحتفالاتها .. لا أعرف إن كان من المناسب أن أطلق علي إبن عمتي ( مودي ) و قد تجاوز الأربعون و إستقر في الخليج.. مر شريط السنين سريعا بعدها ما بين زواج اخته الوحيدة و وفاة والده .. أتفهم تماما لم تصر عمتي علي إلقاء السلام عند دخولها شقتها حتي عند خلوها من سكانها .. فربما سئمت أرواح الراحلين الوحدة و إشتاقت للغائبين .. رحمك الله يا أبي و رحم من ذهب و من تبقي منا علي ظهر هذة الدنيا و بلغهم الطمأنينة و المؤانسة ..
أنتحي بجوار الأورج أداعب أزراره بأغنية قديمة إجتهدت أن أتذكرها .. لن ينكسر الهدوء السائد هنا علي أي حال فهو غير متصل بأي مصدر كهربائي.. تستجيب الأزرار في صمت بينما يتبادر لأذني صوت عمتي
- قطعتهم و حطيتهم في علب اهوه ولا فطير المحلات.. عاملالكو اتنين علي اسمكو و اتنين لنا و اتنين لعم إبراهيم ... و ده كيس العسل
اقاطعها : - تسلم إيدك هاخد واحدة بس .. ضحي و ماما في الدقي اليومين دول عشان الشغل ..ضحي اليومين دول تصحيح إنتي عارفة
- انا بحاول اكلمها بقالي كزا يوم مش عارفة .. و لما انتا لوحدك مش تقول و تتغدا معانا .. وشك شوف بقي عامل إزاي من أكل بره .. طالما كده بقي إختار فيلم من شرايط الفيديو و تعالي نتفرج و انتا بتتعشا
- تسلمي و تتهني هنزل بقا عشان مصدع شوية
تناولني بضع حبات للصداع تلفهم في منديل ورقي بإحكام
- المكوجي خبط عليكو محدش فتح وساب البدل بتاعتك هنا .. متنساهاش و انتا نازل
أنظر للفاتورة و أخرج المحفظة فتنهرني عمتي و تتابع : و خد بالك الجو بيبرد بالليل..تقل شوية إحنا لسه مش صيف رسمي ..
********
أنا الملك جئت.. ولما المرأة ذهبت، ولما تفرق، الذين اجتمعوا حولي، ولما وجدت نفسي وحيدا، اكتملت في تمامي.
ولما كنت أنت إلهي وأنا صفيك، أنت النور وأنا صدى النور، أتملى في ذاتي فأراك، وأتملى فيك فأراني..
. الآن، ولم يبق وقت وبقى الأبد، الآن أناجيك فتعرفني, أدون سري بعيدا عن الأعين، لعينك أنت فتعرفني.. أتطلع إلى قرصك اللامع، الذي يرقب من السماء كل شيء، وأنقش على الصخر سري: إنّي حزين...”
" عن نص أنا الملك جئت لبهاء طاهر "
*******
أجاهد لأفتح الباب حاملا الشماعات الثقيلة وعلب الفطائر ..
نور خافت يطل من خلف زجاج الباب فتسري في الروح ثمة إرتجافة أحاول تجاوزها..أدرك علي الفور إنهم هنا..
أتعمد إصدار رنين عالي من إحتكاك المفاتيح المعدنية و أدير المفتاح عدة دورات في الإتجاهين مصطنعا السهو لأنبههم لقدومي .. أتقدم للداخل ملقيا السلام فتعبرني نسمات رقيقة من هواء المروحة الكهربائية وتدهمني موجات عنيفة من الجو المشحون ..
تجيبني ضحي بهمهمات غير مفهومة أستنتج ضمنيا إنها رد للسلام .. أراها في طرف الصالة في ركن قصي علي الأريكة البعيدة..تطوي قدميها تحتها و تقرأ كتابا ما أمام التلفزيون المغلق..أفتح ذراعاي علي إتساعهما و أصيح مرحبا مستخدما اللهجة الشامية و إيماءت الرأس .. ترد بإبتسامة خفيفة مجاملة فأتوقف بعد أن أشعر كالأبله .. تبدو غارقة في صمتها الخاص و تسحبني معها لإيقاعها الحزين ..
أضع الفطائر علي الطاولة و أجلس علي الكرسي المجاور للأريكة ..
- فطير سخن من عند عمتك
- شكرا لسه متعشيين قبل ما تيجي
أعرف عناد أختي و إصرارها حين الرفض فأحجم عن دعوتها مرة أخري دعوة المجامل.. أضغط زر الريموت و أتجول بين القنوات حتي أصل لفيلم عربي قديم أحبه ( الكيت كات ) .. أفتح العلب الكرتونية و ابدأ قضم الطعام علي مهل..
- النهاردة كان يوم سخيف في الشغل يا ضحي..سخيف جدا..ناس كتير واخدين اجازات و كله طالع علي عيني انا
- معلش...ربنا يعينك
أتأملها بطرف عيني و احاول الإبتسام
-و انتي يومك مشي إزاي ؟
- الحمد لله .. مفيش جديد
تصمت فلا أجد ما أعقب به .. انا حبيس الأسوار الخارجية ..أحتجز عندها فلا أقدر علي التصادق مع المساحات الفسيحة المظلمة في الداخل..ربما حاولت التربيت علي الكتف أو إسداء نصح ما لكنها ستظل نصيحة معلبة تفتقد للصدق أو للأصالة .. كسر في سياق ثابت من السكون و التجاهل المتبادل.. لم يا ضحي الإصرار علي أن تبقي عالما مغلقا غامضا لا أستبصر تفاصيله وإن رأيت نتيجته النهائية في شرودك و شغفك باللاشيء..
- مبروك صحيح الأهلي كسب النهاردة في بوجمبورة.. مش إنتي أهلاوية ؟
- ماشفتش الماتش
- طب عارفة إن بوجمبورة دي عاصمة بوروندي؟
- . علي الشاشة ينطلق محمود عبد العزيز من الحارة علي الموتوسيكل بينما تخرج أمي من غرفتها بخطوات بطيئة..
- ده انا و ضحي بقالنا ساعتين بنعمل كيكة و انتا جايب اكل من بره
- معلش..مكنتش اعرف انكو هتباتو هنا النهاردة
ثم أبادرها : - صحيح المكوجي خبط و انتو مفتحتوش ؟
- و احنا هنحاسب علي حاجتك ليه
- مؤقتا لحد ما اجي .. هو انا زميلكو في الفندق ؟
- معرفش و الله غيتك في المكوجي و المكوة عندنا جوه.. بعدين احنا خلاص بقينا صيف ملوش لازمة في الحر ..بالمناسبة انت مش حران و انت لابس بلوفر و احنا في إبريل
تمضي في طريقها للمطبخ بينما اوشك علي الإنتهاء من الفطيرة ..
أقطع تجهمي و أحاول إستئناف سعادة غير مبررة
- إمبارح يا ضحي شفت فيلم اجنبي إسمه لوبستر..الإنسان اللي مبيعرفش يعالج وحدته ويلاقي ونيس في خلال 45 يوم بيحولوه لحيوان هو بيختار نوعه..
- كويس و الله
- كويس في ايه يا ضحي بقولك بيحولوه لحيوان
إنكسرت حكاياتي علي شواطئها واحدة وراء الأخري .. ظلت هادئة في مكانها لا تحرك عيناها لحيز أكبر من حدود الكتاب..لم يا ضحي لا يجري الكلام بيننا عذبا .. لم أنهزم دائما و أعجز أن أفترش الحديث بيننا جميلا في عفويته و سريانه كما ينبغي أن يكون..عالمانا متباعدان تماما بلا أي فرصة للتماس..ليه نضيع عمرنا هجر و خصام و احنا نقدر نخلق الدنيا الجميلة .. اه و الله يا ست ..أتدركين يا ضحي أني لست سيئا كما تتصورين ؟ علي الأقل لست سيئا إلي هذا الحد ..لست وحيدا لكني فقط لا أتقبل تلك العزلة الجبرية تحت سقف واحد ..
أتعرفين كم كان يمكن لحياة كلينا أن تتغير للأجمل فقط لو شائت الأقدار و المصائر و وافقت هوي ما عندك فتشاركيني تمشية طويلة في جو رائق أو الإستمتاع لحضور فيلم ما أو أمسية موسيقية..إن كان لا يشغلك الفضول لمعرفة تفاصيل عالمي و إن لم نسطع لذلك سبيلا فإحكي لي بعضا مما يؤرقك و يقلق روحك..أدعو لقلبي و لقلبك بالسكينة يا صغيرتي.
.
أقف و أتأمل نفسي في المرآة الكبيرة في الصالة .. هل أبدو مرهقا حقا كما تقول عمتي ؟! لا أستطيع التحديد .. توقفت عن تأمل ملامحي منذ فترة .. ألحظ فجأة أن الحلاق في آخر زيارة منذ يومين قد أخطأ و قص جانبا أقصر من الجانب الآخر .. سيكلفني هذا إحراجا لا داعي له لفترة حتي يطول شعري بما يكفي لإخفاء آثار الجريمة .. اسأل أختي..
- هو انا باين عليا حاجة غريبة ؟
- - مش واخدة بالي..حاجة زي إيه يعني
أطمئن لإجابتها وأحمل بقايا علب الطعام و في حركتي للمطبخ ألمح فراغا في المكتبة حيث كانت تتكدس الكتب القديمة لأبي ..يحل مكانها أواني بلاستيكية للورد الصناعي و صورة قديمة تجمعني بأختي مر عليها أكثر من عشرون عاما..نحتضن بعضنا البعض و نبتسم للكاميرا و لا ندرك ما تخبأه الأقدار لنا .. لم يكن التوتر قد بدأ سيرته بيننا بعد.. و لم تكن رحلة الخليج التي غابت فيها مع والدتي أعواما ثم عادت ضحي شابة جميلة لا تحمل من الألفة ما حملته الطفلة التي سافرت..أنفعل لإختفاء الكتب و أسرع للمطبخ لأسأل أمي
- الكتب اللي كانت في الرف اللي حطيتوا فيه الصورة وديتوها فين ؟
- دي شوية ورق قديم حالته صعبة وزعناها بدل ما جايبة تراب و حشرات
- ورق قديم ايه..دي دواوين و مجلدات بقالها بتاع 100 سنة..انتو بتتصرفو كده من نفسكو ؟
- هي دي خناقة النهاردة ولا ايه ؟
أحاول كتمان غضبي و التروي..لا أريد أن أذهب حيث تنتهي هذة الدراما المكررة دائما..أملأ كوب صغير بالماء و أذهب للكومودينو حيث اخبيء بعناية تحت مفرشه كارت المتابعة مع الطبيب و شريطا من حبوب الضغط .. أمر بيدي تحت المفرش فلا تلامس يدي شيئا
- حد شاف هنا كيس و كارت كده ؟
- - محدش لمس حاجة من حاجتك
- أنحني تحت الكومودينو أكنس بذراعي الأرض من أسفله حتي تصطدم بكيس أسحبه سريعا و يغمرني إرتياح عندما أطالع محتوياته ..
- أعود للمطبخ و أفتح درجا مهملا في ركنه..أفتحه و أخفي الكيس بعناية تحت الجرائد المكومة التي اضعها علي السطح بعشوائية مقصودة ...أعاين في قاع الدرج فنجانا عتيقا علي جوانبه ترتسم أفيالا تزأر و أنهارا تجري و غابات جميلة الإخضرار ..كان والدي قد إشتراه في إحدي رحلاته للهند و ظل مفضلا له.. كسر ما بجانب الفنجان أنهي خدمته العملية بشكل رسمي و إن حرصت ألا يكون مثواه الأخير للقمامة فأبقيته منذ أعوام في الدرج و غطيته بالأوراق..
- حلو العسل ده عمتك جايباه منين
- يعيدني سؤال أمي للواقع من جديد فأغلق الدرج بعد أن ألتقط جريدة قديمة و أستدير في حزن كمن تذكر حزنا مؤجلا
- هي بتجيب حاجتها غالبا من عند أم أحمد
تضحك أمي
- كارفور يفتح و مترو يفتح و لسه بتجيب من عند أم أحمد ..اما انتو ناس عجيبة والله
أتجنب الرد و أبحث عما أسكب فيه توتري فأفتح الثلاجة و أتأمل محتوياتها
- بطيخ ! إنتو جايبين بطيخ
أنشغل بتطقيعه في سرعة .. إن كان لا بد من التواصل فلأقلل من إمتداده قدر الإمكان
- شفت عم إبراهيم؟
-ماله عم إبراهيم؟
- بيقولوا جاله شلل و مش قادر يتحرك من أوضته
- يا ساتر ! انا استغربت النهاردة و انا نازل.. العربية بترابها..الراجل ده بقاله فوق العشرين سنة بيغسلها كل صبح
- حميدة بتقولي الراجل يا عيني لسه صغير قلتلها صغير ايه ده داخل عالستين .. كفاية عليه أوي كده
أسألها و أنا أدرك من تعنيه و أشعر بغصة ما من نطقها إسمها مجردا
- حميدة مين
- هيكون مين ! أم أبوك الله يرحمه
- و ده مناسب تقولي الكلام ده لواحدة كبيرة في السن ! مناسب تستكتري علي حد صحته اصلا؟
لا ترد و تنهمك في إعداد كريمة التزيين
- إنتو مابتنقوش اللي بتجيبوه ؟
- ده إيه ؟
- البطيخ.. طعمه سيء جدا .. انتو بتسترخصو و في الآخر بتختاروا حاجات متتاكلش
يعلو صوت ضحي من الصالة و هي تغلق كتابها و تنسحب لغرفتها
-انتا راجع البيت حالف لا تتخانق ولا ايه
- انتي يا تقعدي ساكتة خالص متتكلميش يا تتعصبي عليا ؟ مفيش حلول وسط ؟
بدت عصبيتي غريبة انا الذي كنت انشد التودد إليها منذ دقائق..أوقن أني لو نبشت قليلا تحت طبقات

سكونها لوجدت بركانا يغلي بالكثير من الترقب و من التأهب لخلاف محتمل جاهز للإشتعال مع أي محفز .... لعلاقات المركبة تتعقد في تداخلها ككرة خيط..أعرف أن إرتباطا شرطيا يجمع بينها و بين إنفعالات أمها علي الدوام ..تبتلع إحداهما غضبها فتنفثه الأخري .. لكن لم أنفعل أنا ؟ .. هل كان توددي إليها زائفا أم أن محاولات التواصل علي صدها و تكرارها و فشلها قد راكمت مهانة ما أنتظر ردها لها ..
افترش الجريدة علي رخام المطبخ في موضع ظاهر و اضع فوقها كوب الماء الفارغ..اعرف اختلافهم السياسي الحاد عني و يزيد ذلك الهوة اتساعا فوق اتساعها الأصلي .. غريب أمر العقل الباطن .. رأيت وقتها في العنوان العريض الذي يتصدر الجريدة المعارضة رسالة ما صامتة أتركها لهم تذكارا بحاجة البشر دائما للتفكر و للحيرة في السياسة و الحياة بشكل عام..أين و متي ينتهي الرضا التام و يبدأ التساؤل ؟ ..ربما أنا بحاجة مماثلة لنفس الرسالة أمليها لنفسي ..
تقترب أمي هامسة
- بالمناسبة احنا جينا النهاردة عشان ننضف البيت..واحد جاي يتقدم لأختك الخميس الجاي و عايزينك تقعد معاه
بإندهاش أرد
-و هي مجابتليش سيرة خالص ليه ؟
- انا ايش عرفني .. يمكن إتكسفت
كانت حياتي معهما تكرارا خائبا لمحاولة فاشلة .. فكتور نافورسكي آخر كما أداه توم هانكس في رائعته ( تيرمينال ) يحاول كل صباح أن يجد صيغة ما للتواصل مع من يهمه أمرهم لكن لا يتحدثون لغته و مفردات حياته ..حياة المرء في أغلب الأوقات خفيفة , لكن يثقل الهم علي أكتاف قلبه التماهي مع ما يشعره الآخرون ..مسراتهم و أوجاعهم .. سهراتهم الضاحكة و لياليهم الحزينة .. ..
كان الغد يمثل دائما حلا سحريا و ملاذا أخيرا في علاقتي بضحي.. غدا سيزول كل ما بيننا من منغصات و إشكاليات سوء الفهم .. يوما ما سيصفو الكدر و تداعياته و نعوض ما قد فات ..لكن أي غد و ثمة زواج يلوح عن قرب و غياب تام يقترب .. حتي الصباحات التي نتبادلها علي مضض من قبيل المقام المشترك وما يوجبه , لن يكون هناك داع عملي بالنسبة لها للإبقاء عليها ..
أخرج للصالة و أمدد جسدي علي الأريكة و أشعل سيجارة ما بعد الطعام ..من بين الستائر أري أمي بجوار الفرن منحنية علي الكعكة الصغيرة غير منتظمة الحواف تزينها بإهتمام و تدندن بأغنية لأم كلثوم .. ضرب بيننا منذ قديم جدار من الإختلافات العميقة و من قسوة التاريخ المشترك بأخطاؤه التي لا ينسيها غربال الأيام و تعاقبها .. ربما أفلتت لحظات كهذة كثقوب صغيرة يتسلل منها الحنين و المحبة و إن بقي صلب الجدار صامدا.. أبحث عن هدنة من إضطراب مشاعري و أتفحص كتاب أختي الملقي علي الأريكة .. من أين تنتقين هذة الكتب العجيبة يا ضحي ؟!
تسألني أمي من مطبخها
- رسيت هتعمل ايه في موضوع اختك
لا أفهم سؤالها تماما و أنشغل في البطيخ الذي بدأ يقطر علي ملابسي قطرات حمراء أهرع لتنظيفها بالماء.. بينما في التلفزيون يصرخ الشيخ عبيد و هو في القارب المحاذي تماما للمرسي النيلي
- يا نهار أبيض..إحنا شكلنا بعدنا قوي عن الشط يا شيخ حسني

ليست هناك تعليقات: